هذا الموضوع مترجم عن النسخة الإنكليزية من موقع منتدى الشرق
مُلخَّص: أُنشِئت جامعة الدول العربية في حِقبة ما بعد الاستعمار. لكن ثَبُتَ أنَّ هيكل الجامعة ولوائحها التنظيمية لا يُناسبان المشكلات المعقَّدة للدول العربية التي كانت ناشئةً آنذاك. وفي الحقيقة، فبالرغم من دعم الجامعة لاستقلال الدول العربية الذي تم نيله بشِقِّ الأنفس وإسهامها – ولو إسهامًا متواضعًا – في التسوية المؤقتة لعددٍ قليل من النزاعات بين الدول العربية، فإنَّها فشلت في أن تُصبح طرفًا فاعلًا قويًّا في السياسة الإقليمية. إذ أسفر الهيكل التنظيمي الضعيف للجامعة، لا سيما آلياتها المتعلِّقة بحل النزاعات، بالإضافة إلى الخصومات الداخلية بين أعضائها الرئيسين – عن حالتها العاطلة حاليًا.
مُقدِّمة
كان حلم توحيد العالم العربي إحدى القوى المحرِّكة للثورة على الإمبراطورية العثمانية في أثناء الحرب العالمية الأولى. وفي الواقع، كانت بذور هذه الثورة كامنةً في صعود أيديولوجية القومية العربية التي كانت منتشرةً آنذاك في الولايات العربية داخل الإمبراطورية، لا سيما بلاد الشام. وكانت الرغبة في بناء دولةٍ عربية مستقلَّة للانتقال بالمنطقة العربية من مستنقع الاضمحلالٍ والإفقار، ولبعث نهضةٍ ثقافية وسياسية – راسخةً في قلب الطموحات القومية العربية.[1] وما أجَّج هذه المشاعر على وجه الخصوص هو السياساتُ القاسية التي تبنَّتها الإمبراطورية العثمانية تجاه الأشخاص غير الأتراك – لا سيما العرب – في أيامها الأخيرة.[2]

وتحت الإشراف المباشر من البريطانيين، شكَّل العرب بقيادة حسين بن علي شريف مكة فيلقًا عربيًّا يقاتل إلى جانب قوات الحلفاء في أثناء الحرب العالمية الأولى. وكان الهدف من هذا التمرُّد، كما ذُكِر في بروتوكول دمشق والمراسلات التي جرَت بين الشريف حسين والسير هنري مكماهون استنادًا إلى البروتوكول، هو التمرُّد على الإمبراطورية العثمانية وإقامة دولةٍ عربية أو اتحاد دولٍ عربية.[3] وفي الفترة التي أعقبت الهزيمة العسكرية للعثمانيين، كان هناك تحوُّل في التفكير باتجاه تأسيس اتحادٍ أو تحالف دولٍ عربية بدلًا من دولةٍ عربية واحدة. بيد أنَّ هذا الاقتراح الساذج لم يتحقَّق؛ لأنَّ الفرنسيين والبريطانيين كانت لديهم خططٌ مختلفة للمنطقة، ولأنَّ اتفاقية سايكس بيكو كانت قد قسَّمت بالفعل معظمَ “المناطق المُحرَّرة” بين القوتين الإمبرياليتين المنتصرتين.[4] وكان الاستثناءان الوحيدان لهذا الترتيب هما: منطقة “جنوب سوريا” التي ذهبت إلى الأمير عبد الله تحت اسم إمارة شرق الأردن، ومنطقة نجد والحجاز التي أصبحت فيما بعد جزءًا من مشروع المملكة العربية السعودية.[5]
بيد أنَّ معظم العرب قد قاوموا هذه المحاولة من جانب القوى الاستعمارية الساعية إلى خلق واقعٍ جديد بتشويه حقائق التاريخ والجغرافيا والجغرافيا السياسية. فعلى سبيل المثال، تشَكَّل المؤتمر السوري في يونيو/حزيران من عام 1919 في دمشق لمواجهة تقسيم سوريا الكبرى[6]، وكان أغلب أعضائه نوابًا سابقين في مجلس المبعوثين العثماني[7]، وأظهر المشاركون دعمًا هائلًا لمطالب الملك فيصل الأول، رافضين فصل فلسطين ولبنان عن وطنهم الأم سوريا. لكنَّ عصبة الأمم وافقت على تطبيق التقسيمات التي رسمتها القوى الاستعمارية. وكان الدافع وراء المقاومة العربية الكبيرة على الصعيدين العسكري والسياسي بين الحربين العالميتين هو سعي العالم العربي إلى الاستقلال.[8] وإضافةً إلى ذلك، فإنَّ تصاعد الضغط النازي والفاشي على الدول الأوروبية في أثناء الحرب العالمية الثانية قد صعَّب للغاية على بريطانيا وفرنسا تحمُّل المزيد من الاضطرابات داخل مستعمراتهما والمناطق الواقعة تحت سيطرتهما في هذه الدول العربية. ومن ثَمَّ، تعهَّد قادتهما بمنح الدول العربية استقلالها بعد انتهاء الحرب، وشجَّعوا المساعي الشعبية نحو الوحدة العربية علنًا، كما قال وزير الخارجية البريطاني أنطوني إيدن في عام 1941.[9]
تأسيس جامعة الدول العربية
في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، دعا مصطفى النحاس، رئيس وزراء مصر آنذاك، القادة العرب إلى زيارة مصر لتبادل وجهات النظر حول فكرة إنشاء اتحادٍ عربي.[10] وفي المشاورات التي جرت عام 1939، ظهرت ثلاثة اتجاهات: دولٌ راغبة في تشكيل اتحادٍ قوامه سوريا الكبرى، وأخرى راغبةٌ في إقامة دولة الهلال الخصيب، ودول راغبة في تشكيل اتحادٍ أكبر يضمُّ الدول العربية.[11] ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، حين كان نصر قوات الحلفاء وشيكًا، أصبح من الواضح أن الدول الغربية المنتصرة لن تفي بوعودها بمنح الدول العربية استقلالها.[12] ورغم ذلك، فقد اعتمدت اللجنة التحضيرية لجامعة الدول العربية النسخةَ النهائية من الميثاق، ووقَّع مندوبو الدول العربية الميثاقَ في 22 مارس/آذار من عام 1945.[13]
أوضح الميثاق أهداف الجامعة العربية أنَّها تسعى إلى تعزيز العلاقات بين الدول العربية، والحفاظ على استقلالها، والحفاظ على أمن المنطقة العربية وسلامتها في جميع المجالات بما في ذلك السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع والرعاية الصحية.[14] وتشمل أجهزة جامعة الدول العربية: مجلس الجامعة[15]، والأمانة العامة[16]، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي[17]، والمجالس الوزارية العربية.[18] وتُموَّل الجامعة بإسهامات الدول الأعضاء فيها. ويُعِدُّ الأمين العام مسودة الميزانية ويقدِّمها إلى المجلس للموافقة عليها قبل بداية كلِّ سنةٍ مالية. وتُحدَّد نسبة إسهام كلِّ دولة من الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة بتوافق الآراء داخل المجلس. وقد زادت ميزانية جامعة الدول العربية بانتظامٍ من 26 مليون دولار في عام 1999 إلى 50 مليون دولار في عام 2010 حتى بلغت 62 مليون دولار في العام الماضي 2018. وتُقاس النسبة المئوية لإسهام كلِّ دولةٍ من الدول الأعضاء بإسهاماتها في الأمم المتحدة.
وفي أعقاب الجدل الأخير حول إسهامات الدول الأعضاء، كان الاقتراح الذي ساد هو اعتبار إسهامات الدول في الأمم المتحدة أساسًا مع تحديد أنَّ نسبة إسهام كلِّ دولة يجب أن تتراوح بين 1 % من ميزانية الجامعة – حتى لو كان ذلك أكبر من إسهامها في الأمم المتحدة – و14% من الميزانية. وقد كانت تلك المسألة مصدرًا للمناقشات الحادَّة في كلِّ دورة، لا سيما بعد تراكم المساهمات غير المسدَّدة من الأعضاء ووصولها إلى 100 مليون دولار في عام 2017.[19] وفي العام نفسه، وصل العجز في ميزانية الجامعة إلى مستوياتٍ كارثية هي الأسوأ في تاريخ الجامعة منذ تأسيسها. إذ شهد وضعها المالي تدنِّيًا بالغًا لدرجة أنَّ الجامعة فشلت في دفع رواتب موظفيها. ويقال إنَّ الأمين العام لجأ إلى استخدام احتياطي الجامعة البالغ 40 مليون دولار، واقترض 2.5 مليون دولار لدفع الرواتب، بالإضافة إلى النفقات اللازمة للأمانة العامة. ويعتقد الكثيرون أنَّ بطء معدلات التبرع للجامعة يعكس مواقفَ ذات دوافع سياسية لبعض أعضائها.
وبخصوص الحصول على عضوية جامعة الدول العربية، فوفقًا للمادة 1 من ميثاقها، فإن “لكل دولة عربية مستقلَّة الحق فى أن تنضمَّ إلى الجامعة، فإذا رغبت فى الانضمام، قدَّمت طلبًا بذلك يُودع لدى الأمانة العامة الدائمة، ويُعرَض على المجلس فى أول اجتماعٍ يُعقَد بعد تقديم الطلب”.[20] أمَّا بخصوص الانسحاب من الجامعة، “فإذا رأت إحدى دول الجامعة أن تنسحب منها، أبلغت المجلس عزمها على الانسحاب قبل تنفيذه بسنة”.[21]
تسوية النزاعات
من بين المهام الرئيسة لأيِّ منظمة دولية حلُّ النزاعات التي قد تنشأ بين أعضائها بوسائل سلمية، وإلَّا فإن الصراعات بين الأعضاء ستُشكِّل تهديدًا خطرًا لوحدة المنظمة. لكن مع الأسف، فإن هذا المنطق البسيط لا ينطبق على ميثاق جامعة الدول العربية ولا تاريخها.
ففي وقت صياغة الميثاق، كانت الأيديولوجية السائدة تُعزِّز الاستقلالية التامة والسيادة الكاملة والاعتزاز بالنفس. وأثَّرت فلسفة عصبة الأمم والتوجُّه الغربي القوي المتمثِّل في سيطرة الدولة تأثيرًا كبيرًا في القادة العرب آنذاك. ونتيجة لذلك، ظهرت اختلافاتٌ كبيرة في آراء قادة الدول العربية بشأن موضوع تسوية النزاعات والتحكيم الإلزامي في المحادثات التحضيرية. إذ اقترحت العديد من الوفود العربية – وخاصةً مصر والعراق – وضعَ مبدأ للتحكيم الإلزامي بصلاحياتٍ كبيرة للاحتكام إليه في حالة وجود نزاع عربيٍّ بين اثنين أو أكثر من أعضاء الجامعة العربية. لكنَّ الوفد اللبناني عارَض هذا التوجُّه بشدة مطالبًا بالحفاظ على السيادة المطلقة للدول الأعضاء. ولكن، تم التوصُّل إلى حلٍّ وسط؛ إذ ينصُّ الميثاق على أنَّه “لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفضِّ المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، فإذا نشب بينهما خلافٌ لا يتعلَّق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفضِّ هذا الخلاف؛ كان قراره عندئذ نافذًا وملزمًا. وفي هذه الحالة، لا يكون للدول التى وقع بينها الخلاف الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته. ويتوسَّط المجلس فى الخلاف الذى يُخشَى منه وقوع حربٍ بين دولةٍ من دول الجامعة وبين أية دولةٍ أخرى من دول الجامعة أو غيرها، للتوفيق بينهما. وتصدر قرارات التحكيم والقرارات الخاصة بالتوسُّط بأغلبية الآراء.”[22]
وهذا يعني أنَّ الميثاق يحدُّ من نطاق الإجراءات التي يستطيع المجلس اتخاذها ومستواها، فالتحكيم والتوسُّط ليسا مُلزمين دون موافقة أطراف النزاع.[23] ومن ثَمَّ، يمكن القول بكل صراحةٍ أنَّ النظام القانوني لتسوية النزاعات داخل إطار جامعة الدول العربية يفتقر إلى الدقَّة والفاعلية. ومن الناحية العملية، فبالنظر إلى تاريخ جامعة الدول العربية، نجد أنَّ الجامعة لم تنجح في حلِّ النزاعات إلَّا في بعض الحالات القليلة.
التعاون بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية
وضع ميثاق الأمم المتحدة كذلك قواعدَ خاصةً لحلِّ النزاعات الدولية حلًّا سلميًّا. إذ يُشجِّع الميثاق أطرافَ النزاع على السعي إلى التسوية عن طريق “اللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم”.[24] ومن ثَمَّ، فإنَّ دور التنظيمات الإقليمية – بما في ذلك جامعة الدول العربية – في حلِّ النزاعات تُبرِّره وتؤكِّده طبيعةُ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويعتقِد الكثيرون أنَّ مجلس الأمن مشحونٌ سياسيًّا جدًّا لدرجة أنَّ التكلفة السياسية لأيِّ تسويةٍ يُجريها يمكن أن تكون أعلى بكثير من الفوائد العائدة عليه. وعلى الجانب الآخر، ففي العديد من سوابق حلِّ النزاعات في المنطقة العربية، كانت دول الخليج على وجه الخصوص تتحمَّل في أغلب الأحيان جزءًا كبيرًا من التكلفة المالية لأيِّ قرارٍ يتخذه مجلس الأمن الدولي.
لكنَّ جامعة الدول العربية لم تتمكَّن في الواقع من التوصُّل إلى تسويةٍ للنزاعات العربية الكُبرى، وانتهى بها المطاف إلى طاولة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وأظهرت الأزمة الناجمة عن غزو العراق للكويت ضعفَ جامعة الدول العربية وعجزها عن إيجاد حلولٍ للنزاعات بين الدول الأعضاء. ففي البداية، طالبت جامعة الدول العربية في قرار مجلس الجامعة رقم 5036 بأن يسحب العراق قواته من الكويت فورًا وبلا شروط، مؤكدةً التزامها القوي بحماية سيادة الدول الأعضاء في الجامعة وسلامتها الإقليمية، ورفض أيِّ تدخُّل أو محاولة من جانب قوًى أجنبية للتدخل في الشؤون العربية. بيد أنَّ اختلاف مواقف الدول الأعضاء في قمَّة جامعة الدول العربية التي عُقِدت يومي 9 و10 أغسطس/آب من عام 1990، والجدل حول قرار القمة العربية رقم 195 الذي دعا الدول الأعضاء إلى إرسال قواتٍ إلى السعودية لردع أيِّ غزو عراقيٍّ لأراضيها – يوضِّحان ضعفَ جامعة الدول العربية في حلِّ النزاعات الإقليمية بين دولها. إذ وافقت آنذاك 12 دولةً من إجمالي الدول الأعضاء البالغ عددها 21 دولةً على ذلك القرار، بينما عارضته العراق وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية، وامتنعت الجزائر واليمن عن التصويت، فيما تغيَّبت تونس عن حضور القمَّة. ومع ذلك، كان مجلس الأمن هو من اتخذ في نهاية المطاف القرارات الفعلية لتشكيل قوات التحالف الذي حمى السعودية وحرَّر الكويت.[25]
جامعة الدول العربية والمنظمات غير الحكومية
بصفتها منظمةً خاصة بالدول وعلاقاتها ببعضها البعض، لم يترك ميثاق الجامعة أيَّ مجالٍ لقبول عضوية أيِّ كيانات غير حكومية. وإضافةً إلى ذلك، لم ينص الميثاق على قواعد محدَّدة بشأن كيفية التعامل مع الكيانات غير الحكومية أو الفواعل من غير الدول- التي تؤدي أدوارًا سياسية، سواءٌ أكانت تابعةً لإحدى الدول الأعضاء أو غير ذلك. إذ تستند أُسس الجامعة على سيادة الدولة والمحافظة على مركزية الدول الأعضاء. لذا فقد تعاملت الجامعة دائمًا بحذر مع الكيانات غير الحكومية بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت في الواقع كيانًا من صُنع الجامعة نفسها. بيد أنَّ الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية – على المستوى الفردي – لديها تاريخٌ طويل في الارتباط بهذه الجماعات غير الحكومية على جميع المستويات.
في البداية، اختار مجلس جامعة الدول العربية اعتبار الوفد الفلسطيني ممثلًا لـ”عرب فلسطين” وليس ممثلًا لكامل الأراضي الفلسطينية. وبعد نكبة 1948 واحتلال إسرائيل جزءًا كبيرًا من الأراضي الفلسطينية، لم يتغير وضع فلسطين داخل الجامعة. ولم يحدث التغيير إلَّا بعد قرار مجلس الجامعة في عام 1952 بأن يعتبر المندوب الفلسطيني ممثلًا لـ”فلسطين” وليس “العرب الفلسطينيين” فقط.
واستمرَّ ذلك الوضع حتى تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعترف بها الملوك والرؤساء العرب في قمةٍ عربية عُقدت في القاهرة عام 1964. وفي تلك القمة، اتُّفِق على أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية ممثلةً لفلسطين لدى جامعة الدول العربية. ثم نالت منظمة التحرير الفلسطينية اعترافًا بأنَّها هي الممثِّل الشرعي الوحيد لدولة فلسطين في قمَّة الرباط عام 1974. وبعد ذلك، قرَّر مجلس الجامعة قبول منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها عضوًا كاملًا في جامعة الدول العربية في مؤتمرٍ عُقِد في القاهرة في 9 سبتمبر/أيلول من عام 1976.
وفي حالة حماس، فبالرغم من تعاطف بعض الحكومات العربية المبدئي معها، فإنَّ الخوف من ارتباطها بكياناتٍ سياسية إسلامية عربية أخرى أثار الاستياءَ لدى بعض الحكومات. لكنَّ الدول العربية انقسمت منذ البداية بشأن نظرتها إلى الانتماء الإسلامي لحماس ودورها في الصراع العربي الإسرائيلي.[26] وتعاملت جامعة الدول العربية مع حماس على أنَّها مجرَّد حركة تحرير وطني في فلسطين. وظلَّت الجامعة حذرةً بشأن زيادة مستوى تعاملاتها مع الفواعل من غير الدول، إلا حين كانت تلك الفواعل جزءًا من الحكومة. لكنَّ حماس كانت استثناءً؛ إذ كان هناك دائمًا مستوًى معيَّن من التفاعل مع حماس، وجاء معظم ذلك التفاعل في سياق جهود المصالحة الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، رحَّبت الجامعة بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية لعام 2006 التي فازت بها حماس، وعلَّقت على الانتخابات قائلةً إنَّها كانت نزيهةً وشفافةً باعترافٍ دوليٍّ كامل، ودعت إسرائيل إلى عدم استخدام انتصار حماس في الانتخابات الفلسطينية “لإعاقة” عملية السلام.
وإضافةً إلى ذلك، يمكننا تَتَبُّع تعامل الجامعة مع المجتمع المدني من منظور أنَّها تتيح مجالًا لمشاركة منظمات المجتمع المدني في أنشطتها المختلفة، لا سيما في مجالات التنمية وحقوق الإنسان. وقد حصلت العديد من منظمات المجتمع المدني على صفة “مراقب” في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفروعه. بيد أنَّ ذلك ضئيلٌ جدًّا ومتأخرٌ للغاية في رأي العديد من المُحلِّلين. فعلى الرغم من اعتماد الميثاق العربي لحقوق الإنسان في عام 2004 وتأسيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان بعد ذلك بقليل، ومع أنَّ هناك مؤشراتٍ على أنَّ مبادئ الجامعة قد تغيَّرت جزئيًّا من أجل تبنِّي مبادئ حقوق الإنسان، فإنَّ منظمات المجتمع المدني قد تعرَّضت لتهميشٍ كبير ولم تؤخذ على محمل الجد بصفتها شريكةً. فعلى سبيل المثال، جرت صياغة النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان في عام 2014 دون مشاركة أيٍّ من منظمات المجتمع المدني أو خبراء حقوق الإنسان، مما أدى إلى عدم احتوائه على الآليات الأساسية لرصد انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم المخالفين إلى العدالة. ومن ثَمَّ، تجدَّدت الدعوة حاليًا إلى تحديث الميثاق بطريقةٍ تستوعب المجتمع المدني في الساحة السياسية.[27]
تقييم أداء جامعة الدول العربية
رغم الاعتراف بوجود قصورٍ في المواد التي تحكم عملَ جامعة الدول العربية فيما يتعلَّق بتسوية النزاعات بين الدول العربية، فإنَّ الجامعة لم تفشل تمامًا في أداء تلك المهمة. إذ وسَّع مجلس الجامعة استخدام وسائل أخرى لتسوية النزاعات خارج نطاق التوسُّط والتحكيم باللجوء إلى الوساطة البينية عن طريق المساعي الحميدة، وهيئات وبعثات تقصِّي الحقائق والرصد. فعلى سبيل المثال، حظيت الجهود المؤسسية المكثفة والمبادرات العديدة التي أطلقتها الجامعة لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية بنجاحٍ محدود، وقد قال محمد بزَّي – الأستاذ المساعد في الصحافة بجامعة نيويورك – عن ذلك: “في النهاية، كانت القوى الفردية – أي سوريا والمملكة العربية السعودية في تلك الحالة – هي التي ساعدت في إنهاء النزاع بعقد اتفاق الطائف. صحيحٌ أنَّ الاتفاق تمَّ تحت رعاية جامعة الدول العربية من الناحية النظرية، لكنَّ المملكة العربية السعودية وسوريا كانتا هما القوتين المُحرِّكتين في الواقع”.[28]
بيد أنَّ ذلك لا ينفي الحاجة إلى تعديل النصوص المتعلِّقة بتسوية النزاعات في الميثاق أو تطويرها. وهذا ما حاولت الجامعة فعله في بعض الأحيان. ففي عامها السبعين، أنشأت الجامعة آلياتٍ جديدة بما في ذلك اللجنة السياسية، وآلية الجامعة لمنع النزاعات وإدارتها وحلها التي استُبدِلَت لاحقًا، ومجلس السِلم والأمن العربي. وإضافةً إلى ذلك، أدَّت الجامعة دورًا رئيسًا في دعم النضال من أجل التحرير في بلدانٍ مثل الجزائر وعمان وجنوب اليمن والسودان.[29] وأسهمت كذلك في تسوية بضعة نزاعاتٍ بين الدول العربية، مثل الصراع المصري السوداني في عام 1958، والصراع المغربي الجزائري في عام 1963، والحرب بين شمال اليمن وجنوب اليمن في عام 1987.
وقد اعتمد نجاح الجامعة في ذلك اعتمادًا كبيرًا على درجة القبول الذي كانت تحظى به لدى أطراف النزاع.[30] وفضلًا عن ذلك، فقد شجَّعت الجامعة التعاونَ بين الدول العربية عن طريق مجموعةٍ من المنظمات المتخصِّصة المُشكَّلة على مستوياتٍ مختلفة داخل الجامعة وخارجها.[31] وكذلك مثَّلت الجامعة الدولَ العربية في عدَّة منظماتٍ دولية مثل الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصِّصة، ومنظمة الوحدة الإفريقية. وتعاونت الجامعة أيضًا مع منظمة الوحدة الإفريقية على تأسيس مجموعةٍ من المؤسسات المشتركة مثل المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا (BADEA). وكانت الجامعة كذلك طرفًا نشطًا في الحوار مع أوروبا في أثناء سبعينيات القرن الماضي.[32]
ولكن على الرغم من التغيرات الهائلة التي طرأت على السياسة العالمية والقانون الدولي، فما زال أعضاء جامعة الدول العربية ينظرون إلى الجامعة ويتعاملون معها بالطريقة ذاتها التي كانت سائدةً في عام 1945. وقد كانت القيود المفروضة على مواد تسوية النزاعات في الميثاق نتيجةً مباشرة لمبدأ السيادة القومية للدول الذي تمسَّكت به دول الجامعة بشدَّة، والذي كان في ذروته وقت تأسيس الجامعة. بيد أنَّ السيادة أصبحت نسبيةً، ولم تعد الدول قادرةً على التحجُّج بسيادتها من أجل التهرُّب من التزاماتها الدولية. وكذلك فإنَّ مبدأ عدم التدخل المطلق في الشؤون الداخلية للبلدان نال نصيبه من هذا التغيير، إذ أصبحت قواعد القانون الدولي الإنساني تسمح للدول بالتدخُّل لحماية المدنيين في النزاعات المسلَّحة.
تحدياتٌ مستقبلية تنتظر جامعة الدول العربية
واجهت الجامعة صعوبات مختلفة منذ تأسيسها، وبعض هذه الصعوبات اتخذ شكلَ تحدياتٍ مستمرة، مثل الصراع العربي الإسرائيلي. بيد أنَّ المعضلة الرئيسة للجامعة كانت تقرير المصير. فمع تراجع أيديولوجية القومية العربية، فقدت الجامعة إحدى الركائز الأخلاقية الأساسية. إذ كانت القومية العربية في حدِّ ذاتها هي القوة الدافعة الرئيسة لإنشاء الجامعة، ليس بصفتها أيديولوجيةً خالصة، بل بصفتها أحد مظاهر خوف الدول العربية من القوى الاستعمارية. فقد ساعدت التهديدات الخارجية التي كانت تُشكِّل خطرًا على بعض الدول العربية في الحفاظ على فكرة المصير العربي المشترك. وظلَّت هذه الفكرة قائمةً بعد الثورة الإيرانية ونشوب الحرب العراقية الإيرانية، التي اعتبرتها معظم الدول العربية آنذاك نضالًا مشتركًا ضد العدوان الإيراني أو خطر العدوان المحتمل. بيد أنَّ الغزو العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية، التي شهدت مشاركة العديد من الدول العربية في الحملة العسكرية التي تركت العراق مشلولًا تمامًا – كتبا نهاية فكرة القومية العربية هذه.
وإضافةً إلى ذلك، فإن الطريقة التي تحدِّد بها الأنظمة العربية مصالحها قد عزَّزت رغبتها في المزيد من الاستقلال وضيَّقت توصيفها للهوية القومية. وكان أحد أهداف ذلك هو كسب شرعيةٍ على مستوى القواعد الشعبية. ولعلَّ أحد الاستثناءات القليلة كان مجلس التعاون الخليجي، الذي اتخذ بعض الخطوات التدريجية الثابتة نحو تنسيق السياسات العامة الداخلية الأساسية والسياسات الخارجية في منطقة الخليج، لكنَّ أزمة الخليج الحالية ألقت بظلالها على التفاعلات والسياسات الإقليمية بين الدول العربية. فقد خلق هذا الشِقاق العربي المتأثِّر بالانقسام  في الخليج دينامياتٍ جديدة في المنطقة. إذ ظهر معسكران مباشرةً نتيجة للمواقف التي اتخذتها دول الخليج استجابةً لانتفاضات الربيع العربي: أطلق أحدهما – بقيادة قطر – دعمًا واسعًا لهذه الانتفاضات، بينما كان المعسكر الآخر الذي تقوده السعودية أكثر ترددًا في إعادة تعريف مصالحه الاستراتيجية في ضوء الواقع الجديد الذي خلقته تلك الانتفاضات.
وتُعَدُّ الحالة السورية مثالًا بالغ الأهمية على تألُّق الأداء السياسي للجامعة العربية ثم خفوته. إذ كانت الرغبة في التدخل الإيجابي المباشر قويةً جدًّا في بداية الانتفاضات العربية، لا سيما في السياق السوري. وفي الواقع، خلق الربيع العربي ونتائجه العميقة زخمًا جديدًا لجامعة الدول العربية للتجاوب معه. وقد تجلَّى ذلك حين أرسلت جامعة الدول العربية بعثةً لمراقبة تنفيذ مقترحات السلام الهادفة إلى إنهاء العنف في سوريا. ثُمَّ عُيِّن الأخضر الإبراهيمي مبعوثًا مشتركًا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا. ومن ناحيةٍ أخرى، شاركت الجامعة مشاركةً نشطة في تنظيم الفصائل السورية، واستقبلت العديد من الوفود الممثِّلة للمعارضة السورية من داخل سوريا وخارجها. وجديرٌ بالذكر أنَّ مصر (آنذاك) وقطر كانتا حريصتين على مشاركة الجامعة العربية في مثل هذه الجهود. والأهمُّ من ذلك أنَّ الجامعة نظَّمت واحدًا من أنجح مؤتمرات المعارضة السورية في القاهرة في يومي 2 و3 يوليو/تموز من عام 2012. وقد خرجت المعارضة السورية من ذلك المؤتمر بوثيقتين مهمتين جدًّا، وهما: العهد الوطني، وخطوات المرحلة الانتقالية.
ثم شاركت جامعة الدول العربية مشاركةً مباشرة في إحالة القضية السورية إلى الأمم المتحدة وتنفيذ قرارات مجلس الأمن. واستمرَّ هذا التعاون بين جامعة الدول العربية والأمم المتحدة حين رتَّب التمثيل المشترك بينهما لإجراء محادثات جنيف في عام 2014. لكن مع وصول الحكومة العسكرية إلى السلطة في مصر وتصاعد الانقسام في الخليج، شهدت مشاركة الجامعة في الأزمة السورية انخفاضًا كبيرًا واضحًا.
خاتمة
واجهت جامعة الدول العربية تحديات مستمرة بسبب الظروف السياسية والأمنية المتغيرة، إلى جانب التعريف الذاتي للمصالح من جانب كلِّ دولة عربية. ولا تقتصر أسباب خلل الجامعة على الضعف السياسي للدول الأعضاء نفسها، وافتقارها إلى الإرادة السياسية للإصلاح والتعاون المؤسسي، بل تشمل أيضًا هيكل الجامعة الضعيف الذي يُعَدُّ جزءًا لا يتجزَّأ منها. ومع ذلك، فإن جامعة الدول العربية تظل تنظيمًا إقليميًّا مهمًّا يمكن أن يكون بمثابة قاعدة للأمن والتعاون السياسي. وفضلًا عن ذلك، فإنَّ جامعة الدول العربية إطارٌ يجب ألا يُتخَّلي عنه ببساطة؛ لأنَّها المظهر التنظيمي الوحيد للعلاقات الجيوسياسية العربية. ويرى البعض أنَّ الطريقة الوحيدة لتأسيس أنظمةٍ سياسية وأمنية قوية في الشرق الأوسط تواكب الواقع الجديد في المنطقة هي التخلُّص من جامعة الدول العربية. ويقولون على وجه الخصوص إنَّ المصالح المشتركة بين الدول العربية وبعضها صارت أقلَّ أهميةً بكثير من المصالح المشتركة بينها وبين فواعل إقليمية وقوى عظمى أخرى. ومع ذلك، فإن إبقاء الجامعة العربية على قيد الحياة يُمثِّل هدفًا استراتيجيًّا، ليس فقط بالنسبة إلى الدول العربية، بل القوى الخارجية أيضًا. فبالنسبة إلى الدول العربية، فإن الجامعة هي المؤسسة الوحيدة التي ترمز إلى الوجود السياسي العربي المشترك. أمَّا بالنسبة إلى القوى العظمى، فدائمًا ما كانت الجامعة هي مصدر الشرعية عند تنفيذ أجندةٍ لا تحظى بشعبيةٍ في المنطقة.
الهوامش والمراجع
وفقًا لما ذكره كارول سوربي جونيور، كان هدف الحسين بن علي شريف مكة هو “الحصول على دعمٍ بريطانيٍّ [1]  للاستقلال العربي للولايات العربية في الدولة العثمانية من مدينة مرسين شمالًا والحدود الفارسية شرقًا إلى البحر الأبيض المتوسط غربًا والبحر الأحمر والمحيط الهندي جنوبًا. وكانت عدن هي الاستثناء الوحيد الذي كان الحسين بن علي مستعدًّا لعدم إدراجه ضمن الاتفاق. ولا شكَّ أنَّه كان يعلم أنَّ بريطانيا لن توافق على كلِّ ذلك، لكنَّه – مثل معظم المفاوضين – بدأ بطرح أكبر حدٍّ تفاوضي”. انظر:
Karol Sorby Jr “The Arab National Movement in World War I”, Asian and African Studies, 15, 2006, 1, p.40-54
كانت الإمبراطورية العثمانية خاضعةً لحُكم أتباع جمعية الاتحاد والترقِّي، التي أطاحت السلطان عبد الحميد الثاني، [2] وطبَّقت سياساتٍ تمييزية ضد الرعايا غير الأتراك في الإمبراطورية العثمانية.
انظر: Süleyman Demirci, ‘The Methods Employed by the Unionists in Power to Control People Of The Ottoman Balkan Peninsula’, Sosyal Bilimler Enstitüsü Dergisi, 2006/2, 21
[3] Teitelbaum Joshua, the The Rise and Fall of the Hashemite Kingdom of Arabia. C Hurst & Co Publishers Ltd (22 Oct. 2001), p. 49.
“كانت اتفاقية سايكس بيكو واحدةً من خمس اتفاقياتٍ سرية – جرى التوصُّل إليها في أثناء الحرب العالمية [4] الأولى – تنبأت بانهيار الإمبراطورية العثمانية. وكانت الدول التي شاركت في وضع ذلك التقسيم للعالم العثماني هي: بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا”. انظر المصدر رقم 1.
في المصدر السابق [5]
كان الهدف من المؤتمر في البداية هو التحضير للجنة كينغ – كرين، التي يُطلق عليها رسميًّا اسم:         [6] “1919  Inter-Allied Commission on Mandates in Turkey”، والتي تشكَّلت من أجل دراسة مستقبل سوريا الكبرى بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.  انظر تقرير:
American Section of the International Commission on Mandates in Turkey (The King-Crane Commission), August 28, 1919
متوفر عبر الرابط:
كانوا يمثلون معظم مدن سوريا الكبرى وبلداتها. وكانوا 85 عضوًا يمثلون دمشق وشرق الأردن وأنطاكية وبيروت [7] وطرابلس وجبل لبنان وفلسطين وحلب وحماة وحمص ودير الزور وجبل الدروز.
[8] Attasi Karim, Syria, the Strength of an Idea: The Constitutional Architectures of Its Political Regimes. Cambridge University Press, 2018.
[9] Al-Saqar Khaled, Jordan During WWII. The center of Academic Books, Amman, p. 41.
[10] Porath Yehoshua. In Search of Arab Unity 1930-1945. Routledge, London and New York, 2013, p. 257 – 269
انقسم أنصار رؤية الهلال الخصيب إلى قسمين: أحدهما يدعو إلى تشكيل اتحادٍ فيدراليٍّ أو اتحادٍ ذي سلطةٍ [11] عُليا يفرض إرادته على الدول الأعضاء، والآخر يدعو إلى  تشكيل اتحادٍ أكثر مرونةً يعمل على التعاون والتنسيق بين الدول العربية، مع الحفاظ على استقلالها. انظر المصدر السابق.
في منتصف عام 1944، ترأَّس مصطفى النحاس لجنةً تحضيرية للمؤتمر العربي العام، وضعت مقترحاتٍ [12] لتحقيق الوحدة العربية. واجتمعت اللجنة في الإسكندرية في 25 سبتمبر/أيلول من عام 1944، بحضور مندوبين من مصر وسوريا والعراق وشرق الأردن والسعودية واليمن. ومن الأهمية بمكان ملاحظة النقاش الذي دار داخل اللجنة؛ لأنَّه كان – وما زال – راسخًا في لُبِّ التاريخ المختل لجامعة الدول العربية. فبعد ثماني جلسات متتالية، استبعد المشاركون فكرة الاتحاد الخاضع لسيطرة حكومة مركزية ومشروعي سوريا الكبرى والهلال الخصيب. واقتصر النقاش على تشكيل اتحادٍ أو منظمة إقليمية – مكوَّنة من الدول الراغبة – لا تُنفَّذ قراراتها إلا بموافقة الدول الأعضاء فيها.
توسَّعت عضوية جامعة الدول العربية إلى حدٍّ كبير منذ توقيع الميثاق، فبعدما بدأت بسبعة بلدان فقط، أصبح [13] عدد أعضائها 22 عضوًا، وكانت جزر القمر آخر دولة انضمت إليها في عام 1993. وكان يُمكن أن تُسمَّى جامعة الدول العربية باسم “التحالف العربي” كما اقترحت سوريا، أو “الاتحاد العربي” كما اقترح العراق، بيد أنَّ الوفد المصري ذكر أن اسم “الجامعة العربية” أنسبُ على الصعيدين اللغوي والسياسي، ومتوافقٌ مع أهداف الدول العربية. وفي نهاية المطاف، اتفق الجميع على ذلك الاسم مع إضافة تعديلٍ بسيط حتى أصبح “جامعة الدول العربية”. وأصدر المندوبون العرب الذين حضروا اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام بالإسكندرية بروتوكولًا عُرِف باسم “بروتوكول الإسكندرية” ينصُّ على موافقتهم على إنشاء جامعة الدول العربية.
في رغبةٍ واضحة في التوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، شدَّدت مبادئ ميثاق جامعة الدول العربية على المساواة [14]  القانونية بين الدول الأعضاء، وعدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء، ومبدأ المساعدة المتبادلة. وتتمتع الجامعة بصفةٍ دولية قانونية كاملة مثل معظم المنظمات الدولية والإقليمية، ومن ثَمَّ لها الحقُّ في إبرام المعاهدات الدولية وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول والمنظمات الدولية. وإضافةً إلى ذلك، يحقُّ لمباني الجامعة وموظفيها في الخارج التمتُّع بالحصانة الدبلوماسية وفقًا للمادة 14 من الميثاق. ولديها ثلاثة أجهزة رئيسة أُنشئت بموجب ميثاقها، ووحدات أخرى أُنشئت بموجب معاهدة الدفاع العربي المشترك في عام 1950، بالإضافة إلى قرارات مجلس الجامعة.
يتألَّف المجلس، الذي يُمثِّل أعلى سلطة في الجامعة، من ممثلين للدول الأعضاء، لكلٍّ منها صوتٌ واحد. وقد [15] اعتُبِرَت قمم الملوك والرؤساء العرب بمثابة تمثيلٍ لمجلس الجامعة. وبموجب ميثاق الجامعة، فإن الجامعة التي يمثلها المجلس تحترم تنفيذ الاتفاقيات الموقَّعة بين الدول الأعضاء، وتدعم التعاون بين تلك الدول والهيئات الدولية المعنيَّة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ويتخذ المجلس كذلك التدابير اللازمة لوقف أيِّ اعتداء فعليٍّ أو وشيك ضد إحدى الدول الأعضاء عن طريق التوسُّط أو التحكيم. ويتولى المجلس مسؤولية تعيين الأمين العام للجامعة، وتقييم إسهامات الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة والنظام الداخلي للمجلس. ويُمثِّل وجود ثلثي الدول الأعضاء النصابَ القانوني اللازم لصحة انعقاد أيِّ جلسة لمجلس الجامعة.”ويتم اعتماد القرارات بتوافق الآراء متى أمكن ذلك. ولكن في حالة تعذُّر التوصل إلى توافق في الآراء، يؤجَّل اتخاذ القرار إلى الدورة اللاحقة. وإذا كان الموضوع ذا صبغةٍ استعجالية، تُعقَد له جلسةٌ استثنائية في غضون شهر واحد. وعلى كل حال، إذا لم يتم التوافق، يُصار إلى التصويت ويكون القرار نافذًا بحصوله على نسبة ثلثي الدول الحاضرة، وذلك بالنسبة للقرارات الخاصة بالمسائل الموضوعية”،كما تنصّ المادة 7 من الميثاق.
يكون للجامعة أمانةٌ عامة دائمة مهمتها الأساسية هي إدارة الشؤون الإدارية والمالية للجامعة. ويكون الأمين [16] العام في درجة سفير ويُعيِّنه مجلس الجامعة بأكثرية ثلثي الدول الحاضرة مدَّة خمس سنوات قابلة للتجديد. ويُعيِّن الأمين العام – بموافقة المجلس – الأمناء المُساعدين والموظفين الرئيسيين في الجامعة.
أُنشِئ هذا المجلس في إطار جامعة الدول العربية بصفته أحد أجهزتها الرئيسة بموجب المادة 8 من “معاهدة [17] التعاون العربي الدفاعي والاقتصادي المشترك” الموقَّعة عام 1950 والمُعدَّلة أكثر من مرة، آخرها في القمة العربية التي عُقِدت في تونس عام 2004. ويضمُّ المجلس وزراء الدول الأعضاء المعنيين بالشؤون الاقتصادية والمالية بهدف تحقيق التعاون بين الدول الأعضاء لتعزيز اقتصاداتها، واستثمار مواردها الطبيعية، وتسهيل التبادل التجاري المشترك، وتنسيق الأنشطة الاقتصادية للدول العربية بوجه عام.
منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، شهدت العلاقات العربية ظاهرة الوكالات المتخصِّصة والمجالس [18] الوزارية التي تعمل مستقلة أو شبه مستقلة في إطار الجامعة. وكان الهدف منها هو تحقيق أهداف الجامعة المنصوص عليها في المادة 2 من الميثاق ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لعام 1950 بشأن تحقيق التعاون العربي في جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتختلف هذه المجالس وفقًا لاستقلالها ووجود أمانة عامة وميزانيات مستقلَّة لديها. فعلى سبيل المثال، يمتلك مجلس وزراء الداخلية العرب ومجلس وزراء العدل العرب أمانةً وميزانياتٍ مستقلَّة خاصة به. وتشرف المجالس الوزارية الأخرى على منظماتٍ عربية متخصِّصة، من بينها مجلس وزراء التعليم العالي العرب، ومجلس وزراء التربية العرب، ومجلس وزراء الزراعة العرب. ومن الأمثلة على المجالس الوزارية التي تُمثِّل أماناتها أقسامًا في جامعة الدول العربية: مجلس وزراء الدفاع، ومجلس وزراء الصحة العرب.
تُعَدُّ مشكلة عدم سداد الدول الأعضاء نصيبها في الميزانية كاملًا شائعةً جدًّا طوال تاريخ الجامعة. وفي عام [19] 2010، حين تولَّى عمرو موسى منصب الأمين العام، وصلت المساهمات إلى 90% من الميزانية الإجمالية، وقد كانت هذه حادثةً نادرة.
في العديد من المرات، أثار انضمام الدول الجديدة جدلًا داخل المجلس. ففي عام 1961، اعترض العراق على [20] طلب الكويت الانضمام، مدعيًا أنها جزءٌ من الأراضي العراقية، وانسحب مندوب العراق من المجلس احتجاجًا على ذلك الطلب. بيد أنَّ المجلس قبِل عضوية الكويت على أساس المادة 7 من الميثاق، التي تنصُّ على أنَّ ما يقرِّره المجلس بالأكثرية يكون ملزمًا لمن يقبله. وكذلك أثار قبول الصومال وجيبوتي في الجامعة جدلًا بين الدول العربية على أساس أنَّ لغتهما الرسمية ليست العربية، لكنَّ مجلس الجامعة قرَّر أنَّ الشعبين من أصل عربيٍّ؛ لذا قبلهما بصفتهما عضوين كاملين في جامعة الدول العربية. مأخوذ من الموقع الرسمي لجامعة الدول العربية:   http://leagueofarabstates.net
تنص المادة 18 على أنّ “لمجلس الجامعة أن يعتبر أية دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلةً عن الجامعة،[21] وذلك بقرارٍ يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها”. وإضافةً إلى ذلك، إذا فقدت أيُّ دولةٍ من الدول الأعضاء صفتَها القانونية الدولية لأيِّ سببٍ من الأسباب، فإنَّ عضويتها في الجامعة ستنتهي. وقد حدث ذلك في أثناء التوحيد بين مصر وسوريا في فبراير/شباط من عام 1958 بعدما أصبحا دولةً واحدة باسم الجمهورية العربية المتحدة. وحدث أيضًا بعد الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه في عام 1990. لكنَّ ذلك لا ينطبق في حالة فقدان سيادة الدولة نتيجةً للاحتلال أو استخدام القوة، كما حدث بعد غزو العراق للكويت في عام 1990؛ إذ لم تتأثر عضوية الكويت في الجامعة آنذاك.
المادتان 5 و6 من ميثاق الجامعة [22]
كانت هناك محاولةٌ لتصحيح هذا العيب في الميثاق بإبرام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في 17 [23] يونيو/حزيران من عام 1950. وكان الهدف من المادة الأولى من تلك المعاهدة هو تخفيف القيود الواردة في المادة 5 من ميثاق جامعة الدول العربية، لكنَّ ذلك لم يُحدِث أيَّ تغيير حقيقيٍّ؛ لأنَّ العامل الرئيس في تسوية النازعات ما زال خاضعًا لموافقة أطراف النزاع أو عدم موافقتها. ومع ذلك، فإذا وصلت الخلافات إلى مرحلة الاعتداء أو احتمالية وقوع اعتداء، يحق للمجلس “اتخاذ التدابير اللازمة” بناءً على دعوة الدولة المُعتدى عليها أو المُهدَّدة بالاعتداء. تم تعديل الفقرة 2 من المادة 6 إلى جانب المادة 7 كما هو مذكور في الملاحظة الواردة أعلاه.
تنصُّ المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة على أنَّه “يجب على أطراف أيِّ نزاع من شأن استمراره أن يعرِّض [24] حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حلَّه بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها. ويدعو مجلس الأمن أطرافَ النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة ذلك”.
[25] O’Connell, Mary Ellen, “Enforcing the Prohibition on the Use of Force: The U.N.’s Response to Iraq’s Invasion of Kuwait” (1991), Articles by Maurer Faculty, p. 2085.
أُعلِن تأسيس حركة حماس في 14 ديسمبر/كانون الأول من عام 1987، تزامنًا مع المراحل الأولى من [26] الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
[27] Mervat Rishmawi, ‘Can the Arab League Be Civil Society’s Partner for Human Rights?’ December 9, 2015,https://www.opensocietyfoundations.org/voices/can-arab-league-be-civil-society-s-partner-human-rights
وانظر أيضًا كُتيِّب:
The League of Arab States Human Rights Standard and Mechanisms
متوفر عبر الرابط:
مُقتبس من كلام الأستاذ محمد بزي الذي نُشِر في مقالةٍ بعنوان “The Arab League” على موقع [28]
“Council on Foreign Relations”، متوفر عبر الرابط:
كان هذا الدور هو السبب المباشر في توسيع العضوية لتشمل الدول المذكورة، حتى أصبح عدد الدول الأعضاء[29]  22 دولةً عربية، في حين أنَّ عدد الدول الموقِّعة على الميثاق التأسيسي كان سبع دولٍ فقط. مأخوذٌ من موقع https://www.arableagueonline.org/
في المصدر السابق  [30]
داخل إطار الجامعة، تأسَّست العديد من المنظمات في العديد من المجالات، من بينها التوظيف، والتنمية [31] الاقتصادية والاجتماعية، والشؤون العلمية والثقافية، ووسائل الاتصالات والمعلومات. ومن الأمثلة على هذه المنظمات: منظمة العمل العربية (ALO)، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (AFESD)، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ALECSO)، واتحاد إذاعات الدول العربية (ASBU)، والاتحاد العربي للاتصالات (ATU). أمَّا خارج إطارها، فقد شجَّعت الجامعة أنشطة النقابات العمالية. ونتيجةً لذلك، أُنشِئَت العديد من الجمعيات لمجموعاتٍ مثل المحامين والأطباء والصحافيين والقضاة والعمَّال العرب. انظر المصدر السابق.
في المصدر السابق  [32]

جامعة الدول العربية: تأسيسها ودورها في الأمن الإقليمي العربي

  • Uploaded by: maclumat
  • Views:
  • Category:
  • Share

    0 comments:

     

    Our Team Members

    Copyright © ᗪOOYOᗯ | Designed by Templateism.com | Blogger Templates